الصلاة صورة من الصور التي يقوم بها الإنسان لعبادة خالقه، وهي صلة بين العبد وربه، ومنزلتها في الإسلام بمنزلة الرأس من الجسد.
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا صلاة لمن لا طهور له، ولا دين لمن لا صلاة له، إنما موضع الصلاة من الدين كموضع الرأس من الجسد)) (رواه الطبراني في الأوسط 3/154 ح 2313 ، وقال: لم يرو هذا الحديث عن عبيد الله بن عمر إلا مندل، ولا عن مندل إلا حسن. تفرد به الحسين بن الحكم وفي الصغير 1/60 ، 61).
وهي الركن الثاني بعد الشهادتين، بها يفرق بين المسلم والكافر، فهي مظهر للإسلام، وعلامة للإيمان، وقرة العين وراحة الضمير، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وجعل قرة عيني في الصلاة)) (رواه النسائي 7/61 ، كتاب عشرة النساء، باب حب النساء. قال ابن حجر في تلخيص الحبير 3/116 ح 1435 : رواه النسائي وإسناده حسن) .
ماذا يتحقق بالصلاة ؟
فالصلاة عبادة تحقق دوام ذكر الله، ودوام الاتصال به، تمثل تمام الطاعة والاستسلام لله، والتجرد له وحده بلا شريك، تربي النفس وتهذب الروح وتنير القلب، بما تغرس فيه من جلال الله وعظمته، وتحلي المرء وتجمله بمكارم الأخلاق.
فهي عمل من صميم التدين، ولذلك كانت سنة مطردة على تعاقب الرسل بعد التوحيد، بها تتوثق أسباب الاتصال بالله، ويتزود العبد من خلالها بطاقة روحية تعينه على مشقة التكليف.
فرضها الله على المسلمين للثناء عليه بما يستحقه، وليذكرهم بأوامره، وليستعينوا بها على تخفيف ما يلقونه من أنواع المشقة والبلاء في الحياة الدنيا.
فيها يقف الإنسان بين يدي ربه في خشوع وخضوع، مستشعرا بقلبه عظمة المعبود، مع الحب والخوف من جمال وجلال المعبود، طامعا فيما عنده من الخير، وراغبا في كشف الضر، وجلا من عقابه الشديد.
منزلة الصلاة :
وللصلاة منزلة كبيرة في الإسلام، لا تصل إليها أية عبادة أخرى، فهي عماد الدين الذي لا يقوم إلا به، وفي الحديث الذي رواه معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((.. ألا أخبرك برأس الأمر كله وعموده، وذروة سنامه ؟ قلت بلى يارسول الله، قال: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد...)) (رواه الترمذي 5/11 ، 12 ح 2616 ، كتاب الإيمان ، باب ما جاء في حرمة الصلاة ، وفيه قال أبو عيسى: حديث حسن صحيح، تحفة الأشراف: المزي 8/399 ح 11311).
وتأتي منزلتها بعد الشهادتين لتكون دليلا على صحة الاعتقاد وسلامته، وبرهانا على صدق ما وقر في القلب، وتصديقا له. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان)) (رواه البخاري 1/8 كتاب الإيمان، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم بني الإسلام على خمس، ومسلم 1/45 ح 21).
وإقام الصلاة: أداؤها كاملة بأقوالها وأفعالها، في أوقاتها المعينة، كما جاء في القرآن الكريم، قال الله تعالى: (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) (سورة النساء الآية 103).
وتتقدم الصلاة على جميع الأركان بعد الشهادتين، لمكانتها وعظيم شأنها، فهي أول عبادة فرضها الله على عباده في مكة، وأول عبادة تكتمل بالمدينة، عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: ((فرض الله الصلاة حين فرضها ركعتين ركعتين في الحضر والسفر، فأقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر)) (رواه البخاري 1/93 كتاب الصلاة ، باب كيف فرضت الصلاة) ، وفي المدينة أتمت بعدها سائر شعائر العبادة، وفرضت معظم التكاليف.
وتكتسب الصلاة مكانة خاصة لمكان فرضيتها، فلم ينزل بها ملك إلى الأرض، ولكن شاء الله أن ينعم على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بمعراج إلى السماء ، وبين يدي ربه في أسمى منزلة وأعظم لقاء يتلقى الرسول الكريم هذا التكليف العظيم.
الصلاة تذكر بالله :
ويقف المصلي في رحاب الله ، ليس بينه وبين الله واسطة، فيشعر بالقرب من الله ، ويشعر بمعية الله له ، فتمتلئ جوارحه بالأمن والطمأنينة والثقة واليقين، فيخشع راكعا ، ويخشع ساجدا، يستمد العون والتأييد ، قال الله تعالى : (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون) (سورة المؤمنون ، الآية 1 ، 2) .
ويتوالى فرض الصلاة ونفلها على المسلمين ، لا يمنعه عنها عذر من مرض أو سفر، وحيثما انتقل لازمته فريضة الصلاة، يؤديها أينما تيسر له ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((... وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، وأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل..)) (رواه البخاري 1/113 كتاب الصلاة ، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، واللفظ له ، ومسلم 1/370 ، 371 ح 521 كتاب المساجد ومواضع الصلاة) .
فالأرض كلها مكان عبادة، إذ لا تختص العبادة بين جدران بيت الله ، فكل الأرض واقعة في سلطان الله ، وعلى المرء أن يتقي الله حيثما تقلب به المكان.
وبين صلاة وصلاة ، يشعر المسلم أنه منذ قليل كان بين يدي الله، يرفع يديه يستمد من هداه ، وبعد قليل سيحين موعد الصلاة ، ليقف من جديد بين يدي الله ، ولا يليق بمن هذا حاله أن يغيب أو يغفل عن ذكر الله ، فيظل العبد واقعا في مجال تأثير الصلاة ، فيقوى الإيمان ويزداد ، وتشتد العزائم فتنتزع صاحبها من مشاغل الحياة ، وتنتصر النفس على المغريات ، قال الله تعالى : (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار) (سورة النور ، الآية 37) .
ودوام الصلاة واطرادها على اختلاف الاحوال والأزمنة صفة تميزها عن سائر التكاليف العملية ، فعامة التكاليف - سوى أركان الإسلام الأساسية : الصلاة والزكاة والصوم والحج - منوطة بمصالح معينة تدور معها ، فتثبت برجاء المصلحة وترتفع بانتفائها أو نفادها ، أو رهينة بعلاقات الناس تجب في أوضاع معينة ، وتسقط بالإعفاء وغيره . أما أركان الإسلام المتقدمة فهي واجبات عينية ، وحقوق لله لا تتخلف ، ولكن الصلاة من بين تلك الأركان تتميز بصفة الدوام ، لأن الصوم لا يجب إلا للمستطيع ، والحج لا يلزم إلا من وجد إليه سبيلا ، والزكاة لا يخرجها إلا من ملك النصاب ، أما الصلاة فلا تسقطها أعذار الطاقة ، وإنما تخفف أركانها لرفع الحرج ، ويبقى أصلها لئلا تتخلف معانيها الجليلتة (الصلاة عماد الدين : د/ حسن الترابي ص 45) .
الصلاة تجمع أركان الإسلام :
وتكاد الصلاة تكون جماعا لأركان الإسلام ، وذلك لاشتمالها على الشهادتين في التشهد الأول والأخير ، والصلاة ذاتها زكاة يومية ، فالمصلي يبذل من وقته لأداء الصلاة ، في حين يحتاج إلى هذا الوقت لأداء عمل يستفيد منه في تحصيل المال الذي سيزكي عنه ، فعندما يصلي ينفق من وقته الذي هو أصل المال . فكما أن الزكاة طهرة للمال ، فكذا الصلاة طهرة للأوقات ، وطهرة للإنسان مما يرتكبه من معاصي في أوقاته ، وفجوات الأزمان التي بين صلواته ، وكفى على ذلك شهيدا قوله صلى الله عليه وسلم : ((أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمسا ، ما تقول ذلك يبقى من درنه ؟ قالوا : لا يبقى من درنه شيئا ، قال : فذلك مثل الصلوات الخمس يمحول الله به الخطايا)) (رواه البخاري 1/134 كتاب مواقيت الصلاة، باب الصلوات الخمس كفارة) .
بل تتعدى الصلاة هذا المعنى لتكون تمهيدا للنفس وإعدادا لها لتتخلص من البخل والأنانية ، فالصلاة وما فيها من إقرار لله بالربوبية ، وما تشمل عليه من خضوع لله ، وقيام وركوع وسجود ، هي ترويض للنفس ، وإذلال لكبريائها ، وجعلها طيعة لقبول الأوامر الإلهية والعمل بها .
ومن هنا نلمح اقتران ذكر الصلاة بالزكاة في أكثر الآيات التي أمرت بالزكاة ، ويأتي الأمر بالزكاة بعد الأمر بالصلاة قال الله تعالى : (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) (وردت عدة مرات في سورة البقرة ، الآيات (43) (83) (110) ، وسورة النساء الآية (77) ، وسورة النور الآية (56) ، وسورة المجادلة الآية (13) وسورة المزمل الآية (20)) ، (أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة) (سورة البقرة الآية (277) ، وسورة التوبة الآيتان (5) (11) وسورة الحج الآية (41)) ، (وأقام الصلاة وآتى الزكاة) (سورة البقرة الآية (177) ، وسورة التوبة الآية (18)) ، (وأقمن الصلاة وآتين الزكاة) (سورة الأحزاب الآية (33)) ، (وأوصاني بالصلاة والزكاة مادمت حيا) (سورة مريم الآية (31)) .
وبأساليب مختلفة يقترن ذكر الزكاة بذكر الصلاة ، قال الله تعالى : (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين ، الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون) (سورة البقرة الآية (177) ، وسورة التوبة الآية (18)) .
والصلاة بعد ذلك أقوال وأفعال مخصوصة مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم ، تصوم فيها نفس الإنسان وجوارحه عن جميع المخالفات التي تفسد تمامها وكمالها .
ويتوجه المصلي شطر المسجد الحرام ، قال الله تعالى : (قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره...) (سورة البقرة الآية (144)) ملتزما بركن الصلاة في التوجه ومشتركا مع ركن الإسلام الحج من طرف .
الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر:
وتأتي الصلاة لتعالج النفس البشرية من نوازع الشر حتى تصفو من الرذائل ، ويبتعد صاحبها عن كل منكر ، فعندما يقف المسلم بين يدي ربه خاشعا ، راكعا وساجدا، يرتبط بخالقه فتسمو نفسه ويشعر بعلو مكانته ، فيبتعد عن ما يغضب خالقه ، حيث استقر في نفسه مراقبة الله ، فكلما حدثته نفسه بسوء تذكر نعم الله عليه ، فالله سبحانه هو الذي أحسن إليه بنعمة الوجود ، وأكرمه بالإسلام ، وشرفه بلقائه والقرب منه بالصلوات فلا تطاوعه نفسه بفعل المعاصي .
ويقرأ في الصلاة القرآن ، ويتأمل الآيات ، ويتدبر المعاني ، فترد آيات العذاب ، وإن الله شديد العقاب ، فترتعد نفسه ، وتلتفت عن غيها ، فإذا تمكن من نفسه الخوف من الله ، زجره ذلك عن كل فحشاء ومنكر ... وترد آيات الرحمة والنعيم والجنات ، فتهفو نفسه إلى نيل الدرجات ، والفوز بالجنات ، فتزداد خشيته لله ، فيتقي عذابه ، ويسعى لنيل رضاه والفوز بنعيمه ، بالتواضع لأوامره واجتناب نواهيه ، قال الله تعالى : (وأقم الصلاة إن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون) (سورة العنكبوت الآية (45)) .
ولعل السر في كثرة المصلين ، وضعف أثر الصلاة في سلوكهم ، هو أنهم لم يؤدوها إلا بهيئتها فقط ، من قيام وركوع وسجود ، ودعاء وتسبيح وتكبير وتحميد ن ، ولم يبلغوا درجة إقامتها تامة بحضور القلب فيها ، وهكذا يتفاوت المصلون في الأجر والثواب وفي مدى استقامتهم في تنفيذ منهج الله ، مع أن الأعمال التي يؤدونها في الصلاة واحدة ، مما يؤكد تفاوت المصلين في روح الصلاة ولبها ، وبقدر حضور القلب تكون إقامتها ، ويكون أثرها ومدى انعكاسه على سلوك صاحبها .
جاء في الأثر (من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له) (روى هذا الأثر عن ابن عباس مرفوعا وموقوفا ، أما الموقوف فرواه الطبري ، وأما المرفوع فرواه الطبراني ، ورواه أيضا مرسلا عن الحسن ، رواه البيهقي في شعب الإيمان ، ووقفه الإمام أحمد في كتاب الزهد من حديث ابن مسعود) ، انظر إلى حال المنافقين الذي يؤدون الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورغم ذلك كانوا في الدرك الأسفل من النار . قال الله تعالى : (إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا ، مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا) (سورة النساء الآيتان (142) (143)) .
من آثار الصلاة :
والصلاة مفتاح كل خير ، تعطي القلب أنسا وسعادة ، وتعطي الروح بشرا وطمأنينة ، وتعطي الجسد نشاطا وحيوية ، والإنسان لا يستمر على حال واحدة ، فإن وجدته صافيا ساعة تعكر أخرى ، وإن وجدته مسرورا من شيء ، نكد عليه شيء آخر .
وتتعدد أنواع الصلاة ، فللحضر صلاة وللسفر صلاة ، وللمرض صلاة وللخوف صلاة وللجمعة صلاة ، وللعيدين صلاة وللجنازة صلاة وللاستسقاء صلاة ، وللقيام صلاة وللضحى صلاة ، وكأنها بهذا التعدد تطبب الإنسان ، تداوي أسقامه ، وتعالج علله وهمومه المتنوعة المتغيرة .
وتتكرر الصلوات المفروضة ، لتكون بمثابة صيانة مستمرة للعبد ، يعرض المسلم نفسه على خالقه ، فيظل في رحاب الله ، تحرسه مراقبته ، يستمد منه سبحانه طاقات إيمانية تعينه على شواغل الحياة ، فلا ينخدع بفتن الدنيا ، ولا تشغله مادة ، لأن قلبه يشحن من صلاة إلى صلاة ، بزاد ينمي دوافع الخير ، ويقضي على دوافع الشر ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((... ولا يزال أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة)) (رواه البخاري 1/158 ، 159 كتاب الأذان ، باب فضل صلاة الجماعة) .
وللصلاة آثار تربوية ، فهي تربي النفس على طاعة الخالق ، وتعلم العبد آداب العبودية ، وواجبات الربوبية ، بما تغرسه في قلب صاحبها من قدرة الله وعظمته ، وبطشه وشدته ، ورحمته ومغفرته ، كما تحليه وتجمله بمكارم الأخلاق ، لسموها بنفسه عن صفات الخسة والدناءة ، فإذا فتشت عن أثر الصلاة فيه ، وجدته صادقا أمينا قانعا وفيا حليما متواضعا عدلا ، ينأى عن الكذب والخيانة والطمع ، والغدر والغضب والكبر والظلم ...
وعندما يتجه المصلون في أنحاء الدنيا إلى القبلة ، يشعر المسلم بالتآلف والوحدة ، ونبذ الفرقة ، فلا مكان للون أو جنس أو طبقية ، فكلنا عبيد لله ، إلهنا واحد وديننا واحد وقبلتنا واحدة ، لا فرق بين غني وفقير ، وعظيم وحقير ، يتوخى المسلم الاستقامة في استقبال بيت الله ، فلا يحيد ولا يميل ، فيتربى بذلك على العدل في جميع أمور حياته ، والحكمة بوضع كل شيء في موضعه .
يعيش آلام إخوانه المسلمين جماعة المسجد وآمالهم ، فيصبح عنصرا فعالا في جماعته ومجتمعه ، تعوده الصلاة على الدقة في الموعد ، والحرص على الوقت ، تنظم له أوقاته ، فيتعود النظام في جميع أمور حياته ، ويتبع الإمام فيتدرب على الطاعة والالتزام .
الصلاة أهم ركن في الإسلام بعد الشهادتين :
ويصور القرآن الكريم حال أهل النار ، عندما يسألون عن سبب ما هم فيه من عذاب ، قال الله تعالى : (كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين في جنات يتساءلون عن المجرمين ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين فما تنفعهم شفاعة الشافعين) (سورة المدثر الآيات (38 : 48)) فالصلاة أول عمل كفر به أولئك المكذبون ، وأول ما يندمون على تضييعه يوم القيامة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت صلح له سائر عمله ، وإن فسدت فسد سائر عمله)) (مجمع الزوائد : الهيثمي 1/291 ، 292 وقال : رواه الطبراني في الأوسط ، وفيه القيم بن عثمان ، قال البخاري : له أحاديث لا يتابع عليها ، وذكر ابن حبان في الثقات وربما أخطأ).
ولما للصلاة من الفضل العظيم بعد الشهادتين كانت آخر وصية أوصى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته ، وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة ، ما روي عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : كان من آخر وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم)) حتى جعل نبي الله صلى الله عليه وسلم يلجلجها في صدره وما يفيض بها لسانه (رواه أحمد 1/290 حديث أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، قال في الفتح الرباني 2/207 ، 208 (وجه) وإسناده جيد ، وصحح إسناده الألباني في الإرواء 7/238) .
والصلاة هي آخر ما يفقد من الدين ، فإن ضاعت ضاع الدين كله ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة)) (رواه مسلم 1/88 ح 82) .
لذا ينبغي للمسلم أن يحرص على أداء الصلاة في أوقاتها ، وألا يتكاسل أو يسهو عنها ، فقد ذهب القرآن من حال الذين يلهون حتى يضيع الوقت وتفوت الصلاة ، قال الله تعالى : (فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون) (سورة الماعون ، الآيتان (4 ، 5)) ، وتوعد من ضيع الصلاة ، قال الله تعالى : (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا) (سورة مريم ، الآية (59)) ، عن أبي أمامة الباهلي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لو أن صخرة وزنت عشر حلقات قذف بها من شفير جهنم ما بلغت قعرها سبعين خريفا حتى ينتهي إلى غي وآثام)) ، قيل : وما غي وآثام ؟ قال : ((بئران أسفل جهنم يسيل منهما صديد أهل النار ، هما اللذان ذكرهما الله في كتابه (أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا) (سورة مريم الآية (59)) ، (ومن يفعل ذلك يلق أثاما) (سورة الفرقان الآية (68)) )) . (رواه الطبراني في الكبير 8/206 ، 207 ح 7731) .